تعميم الألف دولار: بين متطلّبات الامتثال المالي وحماية حقوق العملاء

تعميم الألف دولار: بين متطلّبات الامتثال المالي وحماية حقوق العملاء -- Dec 22 , 2025 25

أثار التعميم الأساسي رقم 3 الصادر عن مصرف لبنان المركزي نقاشاً واسعاً في الأوساط المالية والاقتصادية، نظراً لما يتضمّنه من تشديد على الرقابة المفروضة على العمليات النقدية داخل

لبنان. ويُلزم التعميم المؤسسات المالية، ومؤسسات الصرافة، وكونتوارات التسليف، وشركات التحويلات المالية والمحافظ الإلكترونية، باعتماد استمارة "اعرف عميلك" لكل عملية نقدية تساوي أو تتجاوزالـ1000 دولار أميركي.

 

ويهدف التعميم، بحسب نصّه، إلى تعزيز منظومة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ومنع إساءة استخدام النظام المالي المرخّص في عمليات مشبوهة أو غير مشروعة، من خلال توسيع قاعدة جمع المعلومات والتحقّق منها وتوثيقها.

 

وقد استند مصرف لبنان في إصداره التعميم إلى عدد من النصوص القانونية والتنظيمية النافذة، أبرزها القرار الأساسي رقم 7818 المتعلّق بنظام مراقبة العمليات المالية والمصرفية والقرار الأساسي رقم 7548 المتعلّق بالعمليات المالية المنفّذة بالوسائل الإلكترونية.

 

وبات، بحسب مضمون التعميم، يتوجّب على كل شركة مالية معنية بعمليات التحويلات المالية العادية والإلكترونية المساهمة بمنع إساءة استخدام النظام المالي المرخّص في عمليات مشبوهة تشكّل مخاطر مرتفعة وغيرها من الأنشطة غير المشروعة التي تهدف إلى إخفاء المصدر الحقيقي للأموال والأشخاص المستفيدين منها، وذلك عبر جمع المعلومات والبيانات المتعلّقة بعملائها وعملياتها، والتحقّق منها وتسجيلها وحفظها وفقاً لنماذج مرفقة.

 

وقد نوقش التعميم في المجلس المركزي لمصرف لبنان خلال جلسة عقدت بتاريخ 12 تشرين الثاني 2025، قبل إقراره وإبلاغه إلى الجهات المعنية، مع منح مهَل زمنية متفاوتة لتطبيقه، تشمل العمليات النقدية الجديدة والزبائن الجدد والحاليين.

 


إلا أنّ التعميم يطرح إشكالية قانونية أساسية، تتمثّل في خفض سقف العمليات النقدية الخاضعة للتصريح من 15 ألف دولار، كما ورد في القانون رقم 42/2015 المتعلّق بالتصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، إلى ألف دولار فقط، مع توسيع نطاق الرقابة ليشمل العمليات النقدية الداخلية، لا الحدودية فحسب.

 

ويرى عدد من الخبراء القانونيين أنّ هذا التوسّع يستوجب نقاشاً أوسع، نظراً إلى أنّ التعاميم التنظيمية لا يمكن أن تحلّ محلّ النصوص القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بتعديل جوهري في حدود الرقابة المالية.

 

ويطلب من الزبائن الإفصاح عن مجموعة واسعة من البيانات، تشمل المعلومات الشخصية، تفاصيل الهوية القانونية، مصدر الأموال والغرض من العملية النقدية، الوضع المهني والدخل الشهري ومصادر الدخل الأخرى، وتيرة العمليات النقدية المتوقّعة وحجمها السنوي.

 

كما تُطلب معلومات إضافية في حال كانت العملية مرتبطة بشركات أو مؤسسات تجارية، بما في ذلك بيانات السجل التجاري، الهيكلية القانونية، والوضع المالي، وهوية المستفيد الحقيقي.

ويرى متابعون للشأن المالي أنّ هذا المستوى من التدقيق، وإن كان ينسجم نظرياً مع معايير الامتثال الدولية، يطرح تحديات عملية تتعلّق بقدرة المؤسسات على التطبيق، وبمدى تقبّل العملاء للإفصاح عن هذا الكمّ من المعلومات في مقابل تنفيذ عمليات نقدية اعتيادية.

 

في هذا الإطار، أوضح مصدر مصرفي مطّلع لـ"لبنان 24"أن التعميم "لا يُعالج جذور المشكلة، بل ينقل العبء كاملاً إلى المواطن

".

 

وقال إن "مكافحة تبييض الأموال هدف مشروع ولا نقاش فيه، لكن تحويل كل مواطن يتقاضى راتبه نقداً أو يبيع ممتلكاً بسيطاً إلى مشتبه به، هو خطأ فادح. لبنان ليس اقتصاداً طبيعياً اليوم، بل اقتصاد نقدي قسري، فُرض على الناس بعد انهيار المصارف. لا يمكنك معاقبة الضحية ثم الادّعاء أنك تحارب الجريمة المالية".

 

وحذّر من أنّ الإفراط في الرقابة قد يدفع الناس إلى مزيد من الاقتصاد الموازي وغير المنظّم، بدلاً من دمجهم في النظام الرسمي، ما يتناقض مع الهدف المعلن للتعميم.

 

وأضاف أن "الاقتصاد اللبناني يشهد منذ سنوات ارتفاعاً كبيراً في حجم التعاملات النقدية، نتيجة تراجع الثقة بالنظام المصرفي. من هنا، فإن أي إجراء تنظيمي يجب أن يراعي هذا الواقع الاستثنائي، وأن يُطبَّق تدريجياً وبمرونة، حتى لا يؤدّي إلى نتائج عكسية، كازدياد التعامل خارج القنوات المرخّص لها .

 

وحذر المصدر من أنّ الإفراط في التعقيد الإداري قد يدفع بعض الأفراد والمؤسسات الصغيرة إلى تجنّب النظام المالي المنظّم، ما يتناقض مع الهدف الأساسي للتعميم.

 

وإلى جانب البعد القانوني والمالي، يثير التعميم تساؤلات حول حماية البيانات الشخصية، وآليات حفظ المعلومات الحسّاسة، وضمان عدم إساءة استخدامها. فنجاح أي منظومة رقابية لا يتوقّف فقط على جمع البيانات، بل على تأمينها، وضمان سريتها، واستخدامها حصراً للأغراض التي وُضعت من أجلها.

 

في المحصّلة، لا يمكن فصل هذا التعميم عن السياق السياسي والمالي الأوسع الذي يعيشه لبنان. من هنا، يبقى اللبناني هو الحلقة الأضعف، يُطالب بالكشف عن أدق تفاصيل حياته، فيما لم يُحاسَب بعد من تسبّب بأكبر انهيار مالي في تاريخ البلاد.

 

المصدر: خاص "لبنان 24"

أقرأ أيضاَ

رئيس مجموعة CMA CGM اطلع على أوضاع مرفأ بيروت وبحث مع النفي سبل التعاون

أقرأ أيضاَ

حيدر ترأس إجتماع لجنة المؤشر